تحرر من قيودك النفسية

                                      



   لكل الناس أحلام يرغبون في تحقيقها و أهداف يودون الوصول إليها.  لكن كم منهم يحقق فعلا أحلامه و يصل حقا لأهدافه؟ من الواضح أن الأغلبية الساحقة من الناس يعجزون عن تحقيق أحلامهم و الوصول لغاياتهم. و كلهم يعزون ذلك لأسباب خارجة عن إرادتهم ، فيلقون باللوم على الظروف و المجتمع و الدولة و الأزمة الاقتصادية و المشاكل العائلية و غيرها من الأسباب الخارجية. لكن الحقيقة التي يجهلها الكثيرون ، لكن يذكرها و يؤكد عليها خبراء التنمية الذاتية و البرمجة اللغوية العصبية، أن الأسباب الحقيقية لفشل الناس في تحقيق أهدافهم و الوصول لأحلامهم هي عوامل داخلية نفسية محضة. و الدليل على ذلك أن الأشخاص الذين يعيشون في نفس الظروف لا يصلون دائما لنفس النتائج. بل هناك من يعيش في ظروف غير ملائمة و يحقق نتائج أفضل بكثير من بعض من يعيشون في ظروف أفضل. السر إذن أن هناك قيودا نفسية تمنع الإنسان من الانطلاق نحو تحقيق أحلامه و أهدافه. فما هي هذه القيود؟ و ما الأسباب وراءها؟ و كيف يمكن التغلب عليها أو تحطيمها؟

ما هي القيود النفسية؟ 

   تتمثل القيود النفسية  في المخاوف و الأوهام التي تعشش في دماغ الإنسان و تؤدي إلى عجزه عن الإنجاز و التطور و تحقيق أهدافه و أحلامه. فكثيرا ما نفكر في القيام بشيء مهم أو بخطوة جريئة أو بعمل مميز، لكننا نتردد و نتراجع بسبب أفكار نحملها عن أنفسنا و تسبب لنا العجز و الفشل. هذه الأفكار غالبا ما تكون خاطئة لكنها تؤثر علينا بشكل رهيب وتسحبنا إلى الخلف كلما فكرنا في أخذ المبادرة أو في التحرك في اتجاه مختلف أو في القيام بعمل جديد. فمثلا نظن أننا غير قادرين على الإنجاز أو غير مؤهلين لتحقيق أهدافنا أو لا نملك الموهبة أو المهارة اللازمتين. نتوهم أننا عاجزون عن الإنجاز، فنحجم عن أخذ المبادرة و نمتنع عن التحرك و نتراجع عن القيام بأي خطوة إلى الأمام، خائفين من الفشل أو حذرين من الوقوع في الخطإ و التعرض للسخرية و الاستهزاء... و بالتالي يؤدي توهمنا أننا عاجزين إلى عجزنا بالفعل.



      لكن، لماذا نتصرف بهذا الشكل؟ و لماذا تأتينا تلك الأفكارالسلبية عن أنفسنا و تلك المخاوف المبنية على أوهام؟ إنها ببساطة نتائج للبرمجة التي تعرض لها عقلنا الباطن. و هذه البرمجة لها مصدران. الأول خارجي و الثاني داخلي. بالنسبة للبرمجة الخارجية فهي أتتنا أو تأتينا من الكلمات التي سمعناها باستمرار من والدينا و أفراد العائلة و المعلمين و الأصدقاء و الزملاء. فبالتأكيد نال كل منا حظه من ألفاظ سلبية مثبطة في طفولته و مراهقته. جل الآباء و الأمهات يشبعون أبناءهم ألفاظا و نعوتا تنتقص من قدراتهم و تخلخل ثقتهم في أنفسهم. من ذلك مثلا نعتهم بالغباء أو بأسماء الحيوانات، أو مقارنتهم بغيرهم من الأطفال، و غير ذلك من الأساليب الخاطئة في التعامل مع الأطفال. و بعض المعلمين و الأساتذة أيضا لا يبخلون على تلاميذهم بألفاظ و نعوت مهينة تفعل فعلها في نفسية الطفل أو المراهق و عقله. زد على ذلك استهزاء بعض الزملاء والأصدقاء، و نقد بعض الأقارب و غيرهم من المعارف و الجيران.                                                         أما البرمجة الداخلية أو الذاتية، فهي تأتي من حديثنا مع أنفسنا. و من منا لا يحدث نفسه ؟ و للأسف فقد أثبتت الدراسات أن 80% من أحاديثنا مع أنفسنا سلبية. فنحن نردد في دواخلنا عبارات مثل: أنا فاشل- أنا لا أستطيع- أنا أخاف- أنا أخجل- أنا لا أفهم- لا يمكنني ذلك- أنا تعيس- أنا حظي سيء...إلى غير ذلك من العبارات السلبية و المثبطة للعزيمة. 

      لا شك أن لهذه القيود النفسية آثارا سيئة على حياتنا و على نمونا و إنجازنا و مستقبلنا. فهي أولا تؤدي إلى الفشل و الشعور بالإحباط و الاضطرابات النفسية. و لدى البعض تؤدي هذه القيود إلى اتخاذ عادات سيئة للتعويض عن ضعف تقدير الذات مثل التدخين و تعاطي المخدرات، وكذلك التسكع و الإدمان على مشاهدة التلفاز و مختلف أشكال الإدمان . كما تؤدي تلك القيود النفسية إلى تفويت فرص ذهبية للنجاح و السعادة. و بالنهاية نصبح عاجزين عن تقديم أي شيء مفيد للمجتمع و قد يصل الأمر إلى الشيخوخة المبكرة. 

     و يبقى السؤال الأهم: كيف نكسر القيود النفسية؟ و ما هي الوسائل التي تمكننا من محو البرمجة القديمة للعقل الباطن و إعادة  برمجته بطريقة إيجابية تساعدنا على الانطلاق و التحرك من أجل تغيير أنفسنا و حياتنا و واقعنا للأفضل؟                                لحسن الحظ،  يمكن للإنسان في أي وقت و في أي مرحلة من عمره أن يمحو البرمجة القديمة و يعوضها ببرمجة ذاتية جديدة. و  توجد عدة تقنيات للتعامل مع العقل الباطن و برمجته من جديد. 

1) الإيحاء الإيجابي:

    أهم و أقوى تقنية في نظري هي الإيحاء الإيجابي. و يعني التوقف عن ترديد العبارات السلبية في أحاديثنا الذاتية و حتى في أحاديثنا مع الآخرين، و تعويضها بتكرار عبارات إيجابية محفزة. و يجب القيام بذلك بشكل منظم حتى لا يحصل النسيان. فلابد من القيام بجلسات استرخاء يتم خلالها ترديد عبارات قوية مع استشعار معنى تلك العبارات بقوة. يجب ترديد تلك العبارات على الأقل 14 مرة متتالية في كل جلسة. و يجب القيام بهذه الجلسة على الأقل مرة واحدة كل يوم لمدة 21 يوما متتالية. يمكن أن تكون العبارة مثلا: أنا ذكي، أو أنا قوي ، أو أنا أثق في نفسي، أو أنا أستطيع أن أنجح، أو أنا ناجح... أو أي عبارة تعكس ما نريد تغييره في أنفسنا.

2) تدعيم الثقة في النفس:  

     يمكن تدعيم الثقة في النفس بتدوين المنجزات اليومية مهما كانت بسيطة. و أحسن طريقة لفعل ذلك _ كما ينصح الدكتور ابراهيم الفقي _ هي الاحتفاظ بمذكرة صغيرة ندون فيها في آخر كل يوم _ من المستحسن مباشرة قبل النوم_ على الأقل 3 إنجازات و من الأفضل 5 إنجازات قمنا بها ذلك اليوم. لا يلزم أن تكون بالضرورة إنجازات كبيرة. فكل عمل جيد أو خير أو موفق يعتبر إنجازا و نجاحا. التعرف على صديق جديد إنجاز، مساعدة شخص محتاج إنجاز، الحصول على نقطة جيدة بالمدرسة إنجاز، معاملة شخص قريب بشكل جيد إنجاز، القيام بتمارين رياضية إنجاز... فعملية تدوين الإنجازات و النجاحات مهما كانت صغيرة تعطي للعقل الباطن رسائل إيجابية و هو ما يدعم الثقة في النفس بشكل قوي.

3) استعمال الرابط الشعوري:  

    الرابط الشعوري هو ارتباط شعور معين بشيء معين كمنظر أو رائحة أو حركة أو صوت. كما يحصل حين نستمع لموسيقى أو أغنية ما فنشعر بالابتهاج لأنها تذكرنا بحدث سعيد حصل مرة بينما كنا نستمع لتلك الأغنية. يمكننا أن نستخدم هذا الرابط بشكل إرادي يعمل لصالحنا. كيف ذلك؟ نقوم بجلسة استرخاء و نستحضر الشعور الذي نريد الحصول عليه و نعبر عنه بقوة. و نردد تلك العبارة و في نفس الوقت نقوم بحركة ما كوضع يدنا على رأسنا أو على أنفنا أو أي جزء من جسمنا، و نكرر ذلك عدة مرات و عدة أيام. و بعد ذلك، حين نحتاج لذلك الشعور ما علينا إلا القيام بتلك الحركة التي ربطناها به و سنشعر تلقائيا بالشعور المطلوب.

4) خلق حاجز نفسي ضد التأثيرات الخارجية:    

   لا يمكننا تجنب الملاحظات السلبية و الانتقادات و عبارات السخرية الآتية من الآخرين. سيظل هناك في محيطنا دائما أناس سلبيون يحاولون إحباطنا و تثبيطنا و إضعاف عزيمتنا. لا يمكننا تغيير هؤلاء الناس مهما حاولنا. لكن ما يمكننا فعله هو تعويد أنفسنا على تجاهل تعليقاتهم و ملاحظاتهم السلبية كأنها لم تكن. نصنع حاجزا  بين عقلنا الباطن و تلك الكلمات الساخرة أو الجارحة التي نسمعها. فلا ندعها تتجاوز آذاننا ، و نمنعها من الوصول إلى عقولنا و قلوبنا. إن وجدنا الأمر صعبا يمكننا برمجة عقلنا الباطن بطريقة الاسترخاء و التخيل. فنسترخي و نتخيل أنفسنا في موقف نتعرض فيه لللسخرية أو النقد، ثم نتخيل أنفسنا و نحن نتعامل مع الموقف بمنتهى الهدوء و القوة و الصلابة و الثقة. إذا كررنا عملية التخيل هذه عددا كافيا من المرات، سيصبح تعاملنا مع مثل تلك المواقف مطابقا لما تخيلناه تماما.

5) الاعتناء بالذات و مكافأتها عند الإنجاز:

    لماذا ننتظر اهتمام الآخرين و حبهم و عنايتهم؟ فلنهتم بأنفسنا و نحبها و نعتني بها. لا أحد يفهمك مثل نفسك و لا أحد يخلص لك مثل نفسك و لا أحد يصبر معك مثل نفسك. و عندما تحقق نجاحا ما ، لا تنتظر تشجيع الآخرين_ رغم أنه مرحب به إن أتى_ بل شجع نفسك و كافئها بأي شيء و لو بشراء الحلوى المفضلة لديك أو بمنح نفسك راحة إضافية أو خرجة ترفيهية...

6) الابتعاد عن السلبيين كثيري الشكوى و النقد

    حاول ما أمكن أن تبتعد عن مثل أولئك الذين لا يتوقفون عن الشكوى من كل شيء و من كل الناس و من انتقاد كل شيء و كل الناس. فالاستماع بكثرة للكلام السلبي يؤثر بالتأكيد على مزاج الإنسان و على ثقته و عزيمته.

7) معاشرة الناجحين و الإيجابيين :

    حاول قدر الإمكان أن تتعرف على أناس إيجابيين و ناجحين و تتحدث إليهم باستمرار . فتعاملك معهم و استماعك لأحاديثهم الإيجابية سينعكس على نفسيتك بشكل جيد، حيث سيساعدك على أن تحافظ على  طموحك و تفاؤلك. و هؤلاء لن ينتقدوك بل سيشجعونك و يساعدونك على التقدم و النجاح.

8) التركيز على الإيجابيات في كل الأشياء و الأحداث

   الحياة ليست سعيدة و لا تعيسة. نظرتنا إليها هي ما يؤدي إلى السعادة أو التعاسة. ففي الحياة كل ما هو جميل و فيها أيضا كل ما هو قبيح. و تركيزنا الذهني هو ما يحدد شعورنا و بالتالي سلوكنا و مصيرنا. فإن أردنا أن نحقق السعادة و النجاح، يلزمنا أن نركز دائما على الإيجابيات في كل الأشياء والأحداث، و نتغاضى عن السلبيات و لا نركز عليها ولا نفكر فيها كثيرا. لا يعني هذا ألا ننتبه للمشاكل و الأخطاء في واقعنا، و ألا نحاول المساهمة في تغييره للأفضل، بل يعني التعامل مع السلبيات بشكل إيجابي و عملي  بحيث لا نتركها تفسد علينا مزاجنا و حياتنا بتركيزنا عليها و تفكيرنا السلبي فيها. فلنبحث عما هو جميل في كل مكان و في كل حدث و في كل شيء، و سنجد الجمال أينما بحثنا عنه. و لننظر للقبح على أنه خلل قابل للإصلاح، و للمشاكل على أنها قابلة للحل، وللأزمات على أنها حالة مؤقتة ممكنة التغيير. فلنضع على أعيننا نظارات بيضاء كي نرى الحياة جميلة و نبتهج و نتحفز للعمل و النجاح.

9) قلب الأزمات إلى فرص للتجديد و التطوير:

    لا ينجو أحد من التعرض لبعض المشاكل و الأزمات في حياته. و طريقة التفاعل معها  تؤثر كثيرا على حياتنا و مستقبلنا. فإن انفعلنا بشكل قوي و فكرنا في المشكلة أو الأزمة على أنها مصيبة حلت بنا،  واعتقدنا أننا  لا نستطيع تجاوزها ،و أن حياتنا انهارت، و بدأنا نطرح الأسئلة الخاطئة( مثل: لماذا يحدث لي هذا؟ ما الذنب الذي اقترفته؟ إلى غير ذلك من التساؤلات غير المنطقية و غير المجدية) فبالتأكيد سنعمل على تدمير أنفسنا و مستقبلنا. لكن إن تقبلنا الأمر على أنه من تجارب الحياة ، و تجاوزنا صدمتنا أو حزننا، و قررنا الصبر و التعامل مع المشكلة بالبحث عن حلول، أو بمحاولة الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، و حاولنا أن نجعل منها فرصة لتجديد عزيمتنا و شحذ همتنا، فبالتأكيد سنخرج من الأزمة فائزين. و ستنقلب تلك النقمة إلى نعمة، و سنتعلم و نتطور و ننجح و نحقق السعادة.

10) تكوين ثقافة التفكير الإيجابي بالمطالعة و غيرها من وسائل التوعية و التثقيف:

    من ذلك قراءة الكتب المحفزة، أو التي تعلم كيفية التفكير الإيجابي و طرق التعامل مع المشاكل و القلق و التوتر و غيرها من القضيا النفسية. و من المفيد أيضا مشاهدة فيديوهات تتطرق لنفس المواضيع و هي كثيرة جدا على شبكة الأنترنت. فكلما قرأ الإنسان أو شاهد أو استمع لشيئ تأثر به سواء كان المحتوى سلبيا أو إيجابيا. فلنختر ما نقرأه و نشاهده و نستمع إليه بعناية و حذر كي نساعد أنفسنا على برمجة عقولنا برمجة صحيحة و صحية تدفعنا للعمل و الإنجاز و للسعادة و النجاح.

     و أخيرا فإن نجاحنا و سعادتنا بأيدينا، إذ ما نفكر فيه هو ما يصنع شخصياتنا و مواقفنا و سلوكنا، و بالتالي يشكل مستقبلنا. فلنضع في أذهاننا أفكارا جميلة  تقوينا و تحفزنا و تلهمنا و تسعدنا. 





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذانحب العطل و نكره العمل؟

هل ( الحجاب ) واجب ديني؟