النزاهة و المصداقية في العالم العربي

 


           كلنا نتحدث بحسرة و أسف عن غياب النزاهة و المصداقية في وطننا. لكن إن جاءتنا فرصة كي نستفيد من غياب هاتين القيمتين و نحقق مصلحة شخصية عبر الواسطة أو الرشوة، فكم منا يرفض أن يستفيد و يصر على مبادئه و قيمه العليا؟

        كثيرون هم من يشجبون و ينتقدون ظواهر الغش و المحسوبية و الزبونية المنتشرة بمجتمعاتنا العربية، لكنهم لا يمتنعون عن الاستفادة من هذه الظواهر إن كانت في صالحهم. فنرى  أناسا يشتكون من ظاهرة الارتشاء و يدينون الراشين و المرتشين، لكنهم إن احتاجوا لقضاء غرض ما، و بدا لهم أن دفع الرشوة هو السبيل الأسرع و الأسهل لقضاء حاجتهم،  لا يتورعون عن ذلك إن كانت لديهم الإمكانية و الفرصة. و نفس الشيء يمكن قوله عن المحسوبية و الزبونية و الواسطة. فالكل يندد بالظاهرة و ينتقدها،  و مع ذلك إن وجد البعض من يتدخل لهم عند أحد المسؤولين لقضاء مصلحة ما، لا يترددون لحظة في استغلال الفرصة و عمل أي شيء من أجل نيل مرادهم و إن كان على حساب مواطنين آخرين. يحصل هذا في مجالات كثيرة، منها التوظيف و التعيين و مباريات ولوج المدارس العليا و غيرها.                                                                                                                                              و  على مستوى أدنى، تجد من يصرخ و يشجب إن كان واقفا في طابور بإحدى الإدارات العمومية و لاحظ  معاملة  خاصة أو تمييزية لأحد المواطنين بحيث  أعطي الأسبقية و سمح له بتجاوز دوره في الطابور. و لكن نفس هذا  الشخص المحتج إن وجد في إدارة أخرى موظفا من معارفه أو أقاربه أو أصدقائه، فهو يستغل الوضع دون حرج و يقبل _  بل قد يطلب _ أن يحظى بمعاملة خاصة و أن تعطى له الأسبقية بناء على علاقته بأحد الموظفين أو المسؤولين. أليس هذا منتهى التناقض و منتهى العبث و منتهى الانتهازية و الأنانية؟                                                                                                                                                                   و في مجال التعليم، نجد بعض المدرسين يعطون المثل الأعلى في الحرص على محاربة الغش حين يتعلق الأمر بتلاميذه أو طلبته. لكن إن كان ابنه أو ابنته أو أحد أقاربه يدرس بنفس مؤسسته ، فهو لا يتردد في التوصية عليه و طلب معاملته معاملة استثنائية في الاختبارات، و ذلك بالسماح له بالغش ، أو بمنحه نقطا أو علامات ممتازة و إن لم يكن يستحقها.                                                                                                         ونفس الأمر يحدث في كل الإدارات و في كل المجالات. قلة قليلة جدا من الناس في وطننا العربي هي التي تتشبث بمبادئ الإنصاف و النزاهة و المصداقية و الشفافية و لو كان  ذلك في غير مصلحتها.

   باختصار، لن نكون نزهاء إلا حين نكون مستعدين لرفض الاستفادة من المحسوبية و الزبونية و الرشوة حين تعرض علينا ، أو حين نجد فرصة للاستفادة منها. فحين تعرض علينا الرشوة كي نقضي غرضا لشخص آخر و نرفضها نكون نزهاء. و حين يمكننا تحقيق مصلحتنا بدفع الرشوة و نرفض ذلك، نكون نزهاء. حين نجد من يمكنه التوسط لنا من أجل قضاء غرض لنا على حساب أناس آخرين و نرفض تلك الفرصة، نكون نزهاء. حين تكون لدينا سلطة على مجموعة من الناس و مع ذلك نحترمهم و نعاملهم بكل إنصاف و تواضع و طيبة، نكون نزهاء. حين نعامل من هم أعلى منا رتبة أومن هم في  مناصب المسؤولية باحترام لكن دون تملق و دون نفاق، نكون نزهاء. و حين تنتشر النزاهة و المصداقية و الشفافية و تصبح هي القاعدة،  و تصبح ظواهر المحسوبية و الواسطة و الرشوة استثناء،  نكون قد اقتربنا كثيرا من التقدم و الرقي الحضاريين. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحرر من قيودك النفسية

لماذانحب العطل و نكره العمل؟

هل ( الحجاب ) واجب ديني؟