تقاليد الاحتفال بالزفاف بالمغرب: تكلف و رياء و إزعاج و إهانة






            نسمع مرارا و تكرارا في إعلامنا المسموع و المرئي عبارة ( الحفاظ على التقاليد) أو ( التشبث بالتقاليد) أو غيرها من العبارات ذات المعنى ذاته. و تقدم هذه العبارات كشعار لشيء مقدس تقريبا. فيشعروننا أن التشبث بالتقاليد أمر واجب أو على الأقل محبب و مرغوب و مفيد. و يحاول الإعلام الرسمي _ و من وراءه_  أن يعطينا انطباعا راسخا بأن ذلك التشبث قيمة سامية، و يضفي طابعا سحريا  و مثاليا على  فكرة الحفاظ على التقاليد الموروثة ، و يضعها ضمن مبدإ الحفاظ على الهوية و الخصوصية الثقافية، إلى غير ذلك من المفاهيم الفضفاضة و غير الواضحة و غير المبنية على أي منطق. لكن، إن تجاوزنا تأثير هذا الإعلام و تأثير تشبث المجتمع ذاته بالكثير من التقاليد، و أمعنا التفكير، فسنلاحظ بوضوح أن الكثير من التقاليد التي لا زلنا نحافظ عليها في هذا البلد تتناقض مع مبادئ ديننا و مع روح العصر و مع أهداف التنمية البشرية، و مع قيم العدل و المساواة و الحرية، ومع حقوق الإنسان و مع حقوق وواجبات المواطنة، و مع العقلانية و المنطق. شيء جميل أن نحفاظ على التقاليد الجميلة و النافعة أو على الأقل غير الضارة. لكن ليست كل التقاليد سليمة . فالكثير منها و خصوصا تلك المتعلقة بالاحتفالات  و المناسبات  في عمقها ممارسات مقيدة، أي أنها تقيد حرية و حركية الإنسان، ممارسات تنطوي على الكثير من الظلم و الإيذاء للغير، و الإزعاج و الإنهاك للذات و التكلف و التبذير ... و لعل أوضح نموذج للتقاليد السلبية و المضرة تلك المرتبطة بحفلات الزفاف. فطريقة الاحتفال بالزفاف عندنا تشمل العديد من الممارسات المزعجة و المؤذية و المهينة و حتى السخيفة. و سأحاول توضيح هذا الأمر من ثلاث جوانب رئيسة: الجانب المادي، و جانب حقوق المرأة، و جانب الضجيج و الإزعاج. 

         تكافح الأسر المغربية و تضحي بالغالي والنفيس حين يقترب موعد حفل زفاف ابنهم أو ابنتهم. فتبذل  جهودا كبيرة و تنفق أموالا طائلة كي يكون حفل الزفاف في المستوى المطلوب اجتماعيا، المستوى الذي يجعلهم يشعرون بالفخر و الاعتزاز و يتفادون انتقادات و سخرية الأقارب و الجيران و الأصدقاء. تجدهم ينفقون كل ما يملكون، و في حالات كثيرة يلجؤون لاقتراض مبالغ كبيرة لتغطية مصاريف حفل الزفاف. يضحون بكل شيء و يصبرون على أي شيء كي تمر الحفلة على أحسن ما يرام، و كي يقال أن زفاف فلان أو فلانة  كان في المستوى المطلوب أو حتى كان رائعا. فهل يستحق حفل  واحد كل تلك المصاريف؟ ألن يكون أجدى و أنفع أن تصرف تلك الأموال في ما هو أهم للحياة؟ أليس من غير المعقول أن يقترض المرء مالا من أجل حفلة ليلة؟ ألا تمر تلك الليلة بسرعة و يبقى الدين وأثره السلبي على سير الحياة اليومية و على شؤون الأسرة المهمة؟ ماذا سيحصل إن اكتفى المرء بحفلة متواضعة، و كان المدعوون قلائل، و كانت قاعة الفرح صغيرة، أو إن أقيمت الحفلة في البيت مهما كان حجمه؟ لماذا لا يكون الإنفاق على الحفل على قدر المستطاع دون تكلف و دون تبذير؟ هل سيؤثر ذلك سلبا على الحياة الزوجية مثلا؟   من المؤكد أن كل  هذا التشبث بشكليات الاحتفال بالزفاف  يعكس ثقافة جد سيئة تسود المجتمع المغربي، ثقافة تركز على المظاهر و الشكليات و تعطيها أولوية كبيرة، ثقافة تعتمد على التباهي و التفاخر المبني على المظهر و على النفاق الاجتماعي. أصبحنا نفعل ما يرضي  الآخرين و يسكت أفواههم، لا ما يناسبنا و يريحنا.  لا يمكنني إلا شجب هذه الثقافة العرجاء و إدانتها لأنها تعبر عن تخلف في العقليات و عن مرض في النفوس. كما أنها تضر بالمواطنين و بجودة حياتهم و باستقرارهم النفسي و المادي . 

       هذا من ناحية، و من ناحية أخرى فإن تقاليد الزفاف عندنا تسيء لكرامة المرأة و حريتها و تضع عليها ضغوطات و قيودا لا يخضع لها الرجل. و هذا يعكس بوضوح الميز الممارس ضد المرأة في المجتمع. فخلال حفل الزفاف تعامل الفتاة و كأنها دمية،  حيث تلغى شخصيتها و حريتها و تطمس روحها، و تعرض على الحاضرين  كما تقدم اللوحات الفنية أو لنقل كأنهم يعرضون دمية و ليس إنسانة. فتزين العروس بشكل مبالغ فيه لدرجة أن السيدة المكلفة بالتزيين تقضي ساعات في عملية التجميل و تصفيف الشعر و وضع الجواهر على صدر العروس. و تتقاضى أجرا كبيرا على ذلك العمل الذي أصبح من المهن الموسمية الأكثر ربحية. و الغريب في طريقة تزيين العروس أن أكواما من العقود و المجوهرات توضع على صدر الفتاة المسكينة حتى تثقل عليها و تشعرها بالضيق و صعوبة الحركة. و الأعجب أن هذا هو المطلوب منها بالضبط    ( على الأقل في بعض المناطق و في بعض مراحل الحفل) أي  ألا تتحرك، أن تظل جامدة و أن لا ترفع عينيها  و لا تحرك يديها و لا تدير رأسها يمنة و يسرة و لا حتى تنظر أمامها، يجب أن تنظر للأسفل فقط. و هكذا بعد إتمام عملية التزيين، تعطى العروس التعليمات بأن تمشي ببطء شديد و أن لا تنظر إلا للأسفل و ألا تحرك رأسها و لا تتكلم. يعني باختصار يطلب منها أن تتصرف كدمية. تمسكها المزينة من يدها كي تساعدها على المشي لأنها ممنوعة من استعمال عينيها، و لأن الأثقال التي تحملها على صدرها تعرقل حركتها، بالإضافة للذيل الطويل جدا للفستان التقليدي الذي ترتديه... تتجول بها المزينة داخل القاعة الكبيرة و تتوقف من حين لآخر لتعرضها على الحاضرات و تدعهن يتأملن في جمالها_ أو ربما في جمال صنعة يدها من ماكياج و مجوهرات و غيرها. و بعد إتمام الجولة الاستعراضية، و بعد أن تشبع الحاضرات حملقة في وجه العروس المصبوغ بشتى الألوان، تتوجه بها إلى الكرسي المخصص لها فتجلسها، و تظل المسكينة جالسة هناك جامدة دون حركة و دون كلمة... و لا داعي للمزيد من التفاصيل، فهذا كافي ليبين كيف تعامل المرأة ليلة زفافها كأنها دمية بكل ما للكلمة من معنى. أما العريس، فهو  لا يتعرض لهذا المسخ أبدا، بل يحتفظ بشخصيته و حريته و يتصرف على سجيته... ما المغزى من كل هذا؟ لماذا لا تجلس العروس بطريقة طبيعية و تتصرف بشكل طبيعي و حر؟ و لماذا كل تلك الزينة و كل تلك المجوهرات الثقيلة و ذلك الفستان أو القفطان الثقيل وذي الذيل  الطويل جدا؟ لا شك أن معاملة العروس بهذه الطريقة تعكس تمثلات المجتمع حول المرأة و نظرته لدورها و قيمتها، و فهمه للعلاقة الزوجية. فالمرأة تعتبر أولا وقبل كل شيء وسيلة لإمتاع الرجل. لذلك يتم التركيز الشديد على جمالها و جسدها. و لذلك يبالغ في تزيينها لدرجة اختفاء معالم شخصيتها و ظهورها كدمية مصبوغة الوجه. 

        للأسف أن عيوب و مساوئ تقاليد الأعراس لا تقف عند هذا الحد، فهناك جانب مظلم آخر لا يقل أهمية عن سابقيه، و هو الإزعاج الذي يسببه خصوصا ليلا. فحفلات الزفاف أصبحت تتأخر حتى بعد منتصف الليل و أحيانا حتى ساعات الفجر. و لا يخفى ما تصدره تلك الحفلات من أصوات صاخبة، أصوات الموسيقى و الغناء التي تصدح عبر مكبرات الصوت المشغلة على درجاتها القصوى دون أي اعتبار للجيران و سكان الحي عموما. فإن كان لديك حفل زفاف، تركز فقط على نجاح حفلك و إمتاع مدعويك، و تنسى كل القيم و الأخلاق و الواجبات الأخرى . لا يهمك أبدا ما يسببه الضجيج الصادر عن حفلتك من إزعاج للجيران. ليس هذا فقط، بل إن الطريقة التي تزف بها العروس لبيتها أو للفندق تسبب إزعاجا كبيرا أيضا. إذ لا بد من زف العروسة  في موكب  يضم عددا كبيرا من السيارات التي تجوب شوارع المدينة مطلقة أبواقها قبيل الفجر أو أحيانا بعده. فيضرب عرض الحائط براحة المواطنين و صحتهم. لا يهتم أصحاب الزفاف إن كان ضجيجهم يحرم بعض المواطنين من النوم أو يؤذي شيخا أو مريضا. تطغى الأنانية و اللامبالاة بمشاعر الآخرين و مصالحهم خلال الاحتفال بالزفاف عندنا بشكل فظيع. فبالله عليكم أي قانون و أي شرع يبيح كل هذا الإزعاج؟ ألا يملك المواطن حق النوم و الراحة دون ضجيج و دون إزعاج؟ و هل يحق لأي أحد أن يصدر أي أصوات صاخبة و في أي وقت شاء؟ لكل هذا يجب أن تسن قوانين في هذا البلد تمنع إصدار أصوات مرتفعة ليلا تسبب إزعاجا للجيران أو للمواطنين عموما، و تعاقب كل من يخرقها. فهذا جرم مثل أي جرم آخر لأنه ينطوي على الاعتداء على سلامة و حرية و راحة الآخرين و هم في عقر دارهم.

    ألا تتفقون معي الآن أن تقاليد الاحتفال بالزواج في بلدنا سيئة للغاية و من نواحي عديدة؟ هل يجب أن نحافظ عليها لمجرد أنها موروثة؟ ألا يجب الثورة عليها و تجاوزها و تغييرها بممارسات أكثر تحضرا و أكثر تماشيا مع قيمنا و مبادئنا، و مع روح العصر؟ 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحرر من قيودك النفسية

لماذانحب العطل و نكره العمل؟

هل ( الحجاب ) واجب ديني؟