اقتصاد الحشيش في الميزان
لا يختلف اثنان أن زراعة الحشيش و الاتجار به أصبحا يشكلان أساس الاقتصاد بمدن شمال المغرب. و لا شك أن عددا كبيرا من سكان قرى و مدن الشمال اغتنوا أو على الأقل خرجوا من دائرة الفقر المضقع بفضل زراعة و بيع هذه المادة السامة. لكن لا يخفى أيضا أن انتشار المخدرات أدى إلى ارتفاع عدد المدمنين و نسبة الإجرام داخل المجتمع المغربي.
لقد تغلغلت زراعة هذه النبتة العجيبة والسهلة النمو في قرى الشمال المغربي إلى درجة أصبح معها الحديث عن القضاء عليها يبدو مستهجنا و سخيفا و مثيرا للضحك و السخرية. ذلك أن زراعة هذه النبتة المخدرة كان لها الفضل في تحسن مستوى عيش الفلاحين و عائلاتهم إلى درجة هائلة. و في حديث مع بعض التلاميذ الوافدين من القرى المجاورة لمدينة تطوان، صرحوا لي و بكل صراحة أنه لولا زراعة الحشيش لما تمكنوا من متابعة دراستهم بالمدينة. و قالوا أيضا أن مستوى معيشتهم عرف طفرة كبيرة، و أنه من المستحيل أن ترى جارك و قد اغتنى فجأة بفضل هذه الزراعة و تظل أنت تعاني من الفقر و الحرمان الشديدين لأنك ترفض زراعة محرمة في الدين. هكذا انتقلت العدوى بسهولة كبيرة و بشكل واسع في قرى الشمال.
من ناحية أخرى، فإن تجارة الحشيش أدت أيضا إلى رواج اقتصادي كبير. فقد ساهمت في دخول العملة الصعبة وفي انتعاش القطاع السياحي. و أكثر من ذلك، فبفضل أباطرة الاتجار في الحشيش و كذلك صغار المهربين كثرت المشاريع الاقتصادية في ميادين مختلفة، خصوصا ميداني العقار والخدمات.
لكن، بالمقابل، فإن تداول هذه النبتة السامة أدى إلى نتائج فظيعة على المستوى الصحي والنفسي و الاجتماعي. فانتشار الحشيش و سهولة الحصول عليه أدى إلى ارتفاع عدد المدمنين، خصوصا مع تزايد نسبة البطالة وكثرة المشاكل الاجتماعية و النفسية. و هذا بدوره أدى إلى تصاعد في نسبة الإجرام. فالإدمان يؤدي إلى محاولة الحصول على المخدر بأي وسيلة، و هذا يدفع المدمن إلى السرقة و الاعتداء و القتل أحيانا. كذلك فإن عددا كبيرا من الجرائم ترتكب خلال السكر أو التخدير. و غني عن الذكر ما للمخدرات عامة، بما فيها الحشيش، من آثار صحية خطيرة سواء على المستوى العضوي أو العقلي والنفسي للمدمن.
كما أن تهريب هذا المخدر إلى الخارج أدى إلى تشويه سمعة بلدنا، إذ أصبح المغرب يصنف ضمن أكبر منابع المخدرات في العالم. و كثيرا ما تقوم الحكومات الأوروبية بالضغط على حكومتنا لمحاربة هذه الظاهرة أو الحد منها على الأقل.
بناء على كل هذه السلبيات، فإنه ليس من الأخلاقي و لا من المنطقي و لا من الإنساني تحقيق تنمية اقتصادية على حساب صحة و سلامة عقول الشباب، سواء كانوا شبابنا أو شباب بلدان أخرى. و للأسف، في ظل هذه الأبعاد المختلفة والمتضاربة لهذه الظاهرة، يبدو القضاء عليها صعبا، لكنه بالتأكيد ليس مستحيلا. فهناك طريقة واحدة يمكن بها حل هذه المعضلة و القضاء على اقتصاد المخدرات نهائيا، و هي العمل على تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية و مستديمة تغني الفلاحين عن زراعة الحشيش و التجار عن المتاجرة به. و هذا يستدعي توفر إرادة سياسية كافية و أمانة و كفاءة عاليتين في تسيير الشأن العام على مختلف المستويات و الأصعدة.
تعليقات
إرسال تعليق