أسطورة الحسب و النسب
كثيرا ما أسمع أو أقرأ كلاما يجعلني أشعر أننا نعيش في مجتمع غارق في الجهل و التخلف و الظلم و الفساد، رغم أن عصرنا عصر تقدم و علم و حق وعدل...
لذلك أحببت أن ألفت الانتباه لبعض الظواهر و الأفكارو التمثلات السائدة في مجتمعاتنا و التي تعكس مدى تخلف العقول و انحطاط القيم و اختلال الموازين لدى السواد الأعظم من أبناء هذه الأمة.
من أمثلة هذه الأفكارالمتخلفة و الموازين المختلة أن يتفاخر بعض الناس بأصولهم العريقة و نسبهم الشريف و يتفاضلون بناء على هوية أجدادهم و أجداد أجدادهم. أي معنى لهذا التمييز بين البشر على أساس وضع أجدادهم الاجتماعي أو الاقتصادي أو العلمي أو الديني ؟ أي منطق وراء هذه العقلية؟ أي ميزان تقوم عليه هذه التقييمات؟ و أي هدف يرمي إليه هذا الأسلوب في تصنيف البشر؟ ألا يتعارض هذا النوع من التفكير مع مبادئ المساواة و العدالة؟ بل ألا يتعارض مع التقدم الفكري والثقافي و مع العلم و المنطق؟ أليس كل البشر من أصل واحد؟ و أليست قيمة الشخص في ذاته و في علمه و عمله و قدراته و أخلاقه؟
و الأدهى أن يلصق مفهوم الشرف و الحسب و النسب بالدين، فيعتبر الانتماء لسلالة الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم أرقى درجات النسب الشريف! هكذا يلغى العقل و المنطق، و تنسى مبادئ المساواة و التساوي بين بني البشر و يلجأ لمعايير غاية في الجاهلية و الرجعية و التخلف فيتم تقييم الأشخاص و العائلات بناء على هوية الأجداد الأولين و ليس بناء على أخلاقهم و سلوكهم و إنجازاتهم الشخصية.بل كثيرا ما يدعي الشرف أشخاص أخلاقهم منحطة و سيرتهم منحرفة! لا أعتقد أن أحدا يستطيع الادعاء أن كل من انتهى نسبه إلى الرسول عليه الصلاة و السلام ذو إيمان قوي و خلق رفيع و استقامة و تقوى؟ ألا يوجد منحرفون أو فاسدون أو منحطون أخلاقيا أو سكرة معربدون ينتمون لأسر (شريفة) في منطقهم السلالي هذا !
حاشا أن يفرق رب البشر بين البشر على أساس انتمائهم العرقي، و حاشا أن يستحق الشرف من كل رصيده في الدنيا أنه ولد في أسرة تنتمي جذورها للرسول الكريم عليه الصلاة و السلام. لن نتقدم و نتحضر حقا إلا إذا نفضنا هذه الخزعبلات و ما يجاورها و يشبهها من خرافات و أساطير و حماقات عن أذهاننا و عن حياتنا، و حكمنا العقل و العلم و المعرفة في نظرتنا للحياة و للبشر و لأنفسنا.
يجب أن تختفي عبارات من قبيل: أنا شريف(ة)- أنا من عائلة شريفة- أنا من عائلة عريقة- أنا من سلالة الرسول. كما يجب أن يتوقف الكل عن تمجيد أشخاص بناء على انتمائهم لعائلة ما. فكل البشر ينتمون لعائلات و لهم أجداد من البشر، لا يوجد إنسان ينتسب إلى حيوان أو لأي مخلوق آخر. و كل البشر سواسية و إخوة لأن لهم أصلا واحدا و أبا واحدا و هو آدم!
تعليقات
إرسال تعليق