تعدد الزوجات: ظاهرة غير صحية و غير إسلامية
يبدو أن قضية تعدد الزوجات لم تمح بعد من أذهان الكثير من العرب خصوصا ذكورهم رغم مرور الزمن و تغير الأوضاع و تطور المجتمع. و يبدو أيضا أن فكرة أن الإسلام أباح التعدد أعطيت اهتماما أكبر من حجمها بل و فسرت تفسيرا شوه حقيقتها و أخرجها من سياقها التاريخي و الاجتماعي.
هناك إصرار على إثارة هذا الموضوع كما أن هناك انتشارا لأقوال شعبية من قبيل( الشرع أعطانا اربعة ). و الأدهى من ذلك أن البعض لا زال يمارس هذه العادة القديمة- أي الزواج بأكثر من امرأة واحدة- رغم القوانين الجديدة بمدونة الأسرة. كل هذا يعكس اختلالات نفسية و تخلفا فكريا و هوسا جنسيا لدى الكثير من الذكور في هذه الأمة.
فببساطة هذه ممارسة قديمة مرتبطة بالنظام الاجتماعي الظالم و المهين للمرأة الذي كان سائدا في عصور ما قبل الإسلام. بالطبع استمرت الظاهرة بعد الإسلام. لكن هل الإسلام كدين زكى هذه الظاهرة و شجع عليها، أم أنه عمل على الحد منها ثم القضاء عليها تدريجيا؟
لم يحرم القرآن التعدد صراحة ليس لأنه حق طبيعي للرجل، بل لأن تحريمه لم يكن ممكنا في مجتمع لم يعرف بوجود أو إمكانية وجود نظام اجتماعي آخر. لم يكن سيستسيغ الأمر أعراب تعودوا على نظام يعطيهم أكثر من حقوقهم و يعتبرهم أسيادا، بينما يهمش النساء و ينظر لهن بدونية مطلقة و يعتبرهن تابعات للرجال و خادمات لهم. بل كان ذلك المجتمع يعتبر الأنثى مصدر عار و ذل، لدرجة وأد الأب لبناته! كيف يمكن في جو كهذا أن يحرم القرآن التعدد؟
لقد تعامل الوحي مع ظاهرة التعدد بنفس طريقة تعامله مع ظاهرة الرق و العبيد. فلا توجد في القرآن آية واحدة تحرم استعباد الناس و اتخاذ الرق و الجواري. فهل يعني ذلك أن الإسلام يبيح استعباد الناس؟ لقد حارب الإسلام ظاهرة الرق بطريقة خفية تقريبا و طريقة تدريجية و سلسة للغاية لأنها كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تنجح و لا تؤدي للإضرار بهدف انتشار الإسلام.
بنفس الطريقة تعامل الإسلام مع ظاهرة تعدد الزوجات. بما أن إلغاءها دفعة واحدة لم يكن ممكنا، فقد عمل القرآن على القضاء عليها بالتدريج و بطريقة غير مباشرة. فمن جهة حدد العدد الذي كان غير محدود بأربعة. و من جهة أخرى نفر منه و ربطه بشروط. و من اللافت أن الآية الوحيدة التي تتحدث عن إباحة التعدد تربط ذلك بظروف معينة كانت موجودة آنذاك_ و لا أعرف لماذا أهمل الفقهاء و المفسرون هذا التفصيل. فالآية تقول:( و إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع ). لا أفهم لم تم التركيز على جواب الشرط و تم إهمال الشرط.
فواضح جدا أن الإباحة جاءت لحل مشكلة ما لها علاقة باليتامى. و بدون شك هذا الظرف لم يعد موجودا اليوم.
كما أن السياق يدل على أن الإباحة لم تكن مطلقة لأي رجل و في جميع الظروف و إلا فلماذا يوضع هذا الشرط؟
بالإضافة لذلك، فقد أضاف القرآن ما يدل على حثه على الاكتفاء بزوجة واحدة. فقال تعالى: ( و إن خفتم ألا تعدلوا فواحد ة ) و في آية أخرى أقر القرآن أن العدل بين الزوجات مستحيل. فعلى ماذا يدل هذا؟ ألا يدل على أن الهدف هو التحذير و التنفير من التعدد كي يبتعد عنه المؤمنون شيئا فشيئا إلى أن يندثر؟
أكبر عيب تعاني منه هذه الأمة و فقهاؤها أنهم سطحيون و قشوريون في التعامل مع النصوص الدينية. فهم لا يفكرون بعمق في النصوص و أسباب نزولها و لا يأخذون في الاعتبار السياق العام للقرآن و المقاصد الكبرى للإسلام. كما أن تفاسير القدماء و آراءهم و اجتهاداتهم تؤخذ على أنها هي الشرع و هي الدين فيساوونها بالقرآن و يعتبرون كل من ناقشها أو خالفها خارج عن الملة أو على أقل تقدير ضعيف الإيمان! لقد أغلق باب الاجتهاد و كأن الفهم و العلم وقفا عند السلف! !
خلاصة القول، أن الطبيعة و الفطرة السليمة تدعوان لنبذ هذه الظاهرة المرضية. فالزواج هو علاقة و شراكة بين شخصين. و من المفروض أن تسود المودة والرحمة بين الزوجين. و أي مودة تبقى في أسرة أحد رأسيها له أسرة أو أسر أخرى؟ الذين يحاولون إحياء هذه الظاهرة الجاهلية لا يستبعد أن يدعوا لإحياء ظاهرة السبي و الاتجار في العبيد و الجواري. و هذا ما تقوم به داعش بالفعل!
خلاصة القول، أن الطبيعة و الفطرة السليمة تدعوان لنبذ هذه الظاهرة المرضية. فالزواج هو علاقة و شراكة بين شخصين. و من المفروض أن تسود المودة والرحمة بين الزوجين. و أي مودة تبقى في أسرة أحد رأسيها له أسرة أو أسر أخرى؟ الذين يحاولون إحياء هذه الظاهرة الجاهلية لا يستبعد أن يدعوا لإحياء ظاهرة السبي و الاتجار في العبيد و الجواري. و هذا ما تقوم به داعش بالفعل!
تعليقات
إرسال تعليق