مهما حاولنا تجنب المشاكل و الضغوطات و التحديات و التعثرات لن ننجح في ذلك أبدا. لا وجود لحياة بشرية خالية من المصاعب و الحوادث . لكن الفطن هو من يعرف كيف يتعايش و يتكيف مع الحياة كما هي دون تذمر و دون توتر و دون قلق، و في الوقت ذاته يعمل على تحسين حياته . و هذا ما نسميه بالتفكير الإيجابي. فما هو بالضبط التفكير الإيجابي؟ و ما هي فوائده؟ و كيف يمكننا تبنيه؟
التفكير الإيجابي هو التفكير الذي يركز دائما على الإيجابيات و ينظر إلى الجانب المشرق في أي حدث و أي مكان و أي شيء، و يتوقع نتائج جيدة و يهون من شأن المعوقات و القيود و المشاكل. هل ذلك يعني الهروب من المشاكل أو التغاضي عنها و نسيانها؟ لا طبعا. على العكس تماما، فالتفكير الإيجابي هو أن تؤمن أن المشاكل عبارة عن تحديات لا بد منها و أن لكل تحد حل و أن هناك طريقة أو عدة طرق لحله. و هذا يجعلك تتقبل المشاكل دون خوف أو توتر أو قلق، و تفكر بهدوء في كيفية حلها. فبدل إهدار الوقت و الطاقة في التفكير في المشكلة في حد ذاتها و طرح السؤال المؤلم ( لماذا يحصل لي هذا؟) تركز على الحل و تطرح السؤال المحفز ( كيف أتجاوز هذا التحدي؟ و كيف أستفيد منه؟)
هل يمكن أن يوجد أناس غير مقتنعين بضرورة تبني التفكير الإيجابي؟ بالتأكيد هناك من لا يؤمن بفائدته أو بضرورته. إذا كنت منهم، فأرجو أن تتابع القراءة لعلك تجد ما يقنعك بفائدته بل بضرورته. و إن كنت تؤمن بفائدته، لكنك لا تطبقه في حياتك دائما، فأرجو أن تتابع القراءة فقد تجد ما يحفزك و يعلمك كيف تتبناه دون عناء كبير.
أولا من المعلوم و المثبت علميا أن الأفكار التي ندخلها ونحملها في أذهاننا هي التي تسبب لنا الأحاسيس التي نشعر بها، و الأحاسيس بدورها تدفعنا للتصرف بشكل معين. فإذا أردنا تغيير أحاسيسنا و سلوكنا ، لا بد من تغيير أفكارنا. و بتغيير الأفكار تتغير الأحاسيس و السلوكات تلقائيا. في هذا السياق قال الفيلسوف اليوناني الشهير سقراط: " بالفكرة يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورود أو من الشوك." و قال بلاتو: " أجداد سلوكياتنا هي الأفكار و بها نتقدم و بها نتأخر و بها نسعد و بها نشقى." لذلك من الجذير بنا أن نختارالأفكار التي ندخلها في أذهاننا، ونختار كيفية التفكير و الأشياء التي نفكر فيها. بالإضافة لذلك، فالتفكير يؤثر على أجسامنا و على طاقتنا و نشاطنا و صحتنا. و قد أثبتت التجارب أن التفكير الإيجابي يساعد على الشفاء من الأمراض كيفما كانت. من هذه التجارب تجربة قام بها المستشفى الرئيسي في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة عن العلاج بالضحك. أظهرت هذه التجربة ارتفاع نسبة الشفاء بنسبة 35% عند استخدام الضحك في العلاج. و تفسير ذلك أن المريض حين يفكر أفكارا إيجابية و يبتسم و يتفاءل و يضحك ترتفع نسبة الأندورفين في جسمه. و هذا يساعده على الشفاء. فللعقل إذن قدرة كبيرة على علاج الجسم و مساعدته على التخلص من الألم.
و لكن، لماذا لا نفكر إيجابيا بطريقة طبيعية؟ لماذا أغلب الناس يفكرون بطريقة سلبية؟ يبدو أن العقل الباطن مبرمج على رؤية المخاطر و السلبيات و التحذير منها و ذلك لحماية الإنسان من الوقوع في الأخطار الحسية و المعنوية. لذلك يركز عقلنا الباطن على السلبيات. لكن إذا تركنا للعقل الباطن أمر قيادتنا، فسينغص علينا حياتنا و يقودنا بشكل خاطيء. فالمفروض أن نستخدم عقولنا الواعية و نميز بين المفيد و غير المفيد من الأفكار التلقائية التي يمليها علينا العقل الباطن. كما أن تأثير المجتمع و التربية و الأفكار و الأقوال السلبية المنتشرة تعمل عملها في برمجتنا على التفكير السلبي المدمر. هناك حكمة أفريقية تقول: " إذا لم يكن العدو الداخلي موجودا فالعدو الخارجي لا يستطيع إيذاءك." و قال أرسطو: " مشاكلي مع نفسي تتعدى بمراحل مشاكلي مع أي مخلوق آخر." فنحن نحمل أفكارا تقيدنا وتؤذينا و تحزننا و تمرضنا. في الواقع أصبح التفكير السلبي عادة اكتسبناها بالتكرار حتى اعتقدنا أنها طبيعية و لا يمكن أن تتغير. و هذا خطأ.
يا ترى هل التفكير السلبي خطير؟ هل يسبب أية مشاكل؟ هل من شأنه أن يحدد نوعية الحياة التي يعيشها الإنسان؟
بالتأكيد للتفكير السلبي آثار سيئة للغاية و قد تصل إلى درجة الخطورة إذا كانت السلبية طاغية على الإنسان بشكل كبير. فكما رأينا التفكير يؤثر على الشعور و الشعور يؤثر على الصحة و على السلوك. فالتفكير السلبي يسبب الأمراض النفسية المختلفة من اكتئاب و وسواس قهري و غيرها. لكنه لا يقتصر على ذلك، بل يسبب أيضا الأمراض العضوية. يقول هربرت سبنسر:" إن أكثر من 90% من الأمراض العضوية يعود سببها إلى التفكير." فالتفكير يؤثر على كل أعضاء الجسم الخارجية و الداخلية. و قد أعلنت كلية الطب في سان فرانسيسكو سنة 1986 أن أكثر من 75% من الأمراض العضوية أساسها التحدث السلبي مع الذات، و منها أمراض القلب ، الصداع، القرحة، الجلطة، ضغط الدم، ضعف الجهاز العصبي و جهاز المناعة، و قد يصل الأمر إلى السرطان. و هناك إشارة إلى هذه الحقيقة في حديث روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم، يقول فيه:( لا تتمارضوا فتمرضوا.) مما يعني أن التفكير في المرض يؤدي إلى المرض.
إذن، فالتفكير الإيجابي يساعد على علاج الأمراض و الوقاية منها بينما التفكير السلبي يسبب الأمراض بكل أنواعها. لكن في أي الأمور يجب أن نفكر إيجابيا و كيف؟ يمكننا استخدام التفكير الإيجابي اتجاه الأحداث كيفما كانت، و اتجاه الإخفاقات و التجارب غير الموفقة، و اتجاه الأزمات و المشاكل. فدائما نحاول رؤية الجانب المضيء و نهون الأمر في أذهاننا و نستحضر أن المشكلة أو الأزمة أو الإخفاق ليس مستمرا في الزمن و ليس شاملا لجميع جوانب الحياة. فكل شدة تزول و كل مشكلة تحل و كل تجربة تمر و تنسى مع الوقت. فالمهم أن نتجاوز الأزمات و المشاكل بأقل الخسائر، بل ونحاول الاستفادة منها لأقصى درجة ممكنة. كما نستخدم التفكير الإيجابي في النظر للمستقبل، و ذلك بتوقع الأفضل مع التحضير للأسوأ. فنعمل و نجد و نتفاءل و نحسن الظن بالله. و التفكير الإيجابي مفيد أيضا في التعامل مع الذات، و ذلك بالتركيز على الإيجابيات الذاتية و بالثقة بالنفس، و بعدم التقليل من شأن الذات.
و لكن كيف ننتقل من التفكير السلبي إلى التفكير الإيجابي؟أو كيف نجعل التفكير الإيجابي عادة يومية فلا نحيد عنه أبدا مهما حصل؟ إنه أمر ممكن و لا نحتاج إلا للإرادة و لبعض التمارين الذهنية و المحفزات الذاتية كي نبرمج عقولنا على نمط جدبد من التفكير، نمط أكثر دعما و نفعا لنا. فقد أعطانا الله القدرة على التحكم في أفكارنا. لذلك قال عز و جل: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.) فالتغيير يجب أن يحدث أولا في الأفكار التي وضعناها في أذهاننا و كررناها حتى أصبحت اعتقادا راسخا. هناك خطوات و إجراءات سهلة يمكنها أن تعطي نتائج رائعة في هذا الاتجاه:
1_ قرر بشكل حاسم أن تعمل على تبني التفكير الإيجابي.
2_ ابدأ يومك بالتنفس العميق و بذكر الله و شكره و بالابتسام و التوقع الإيجابي.
3_ سجل جملا و أقوالا إيجابية و ألصقها على كتبك و علقها في غرفتك أو ضعها على مكتبك أو قرب سريرك أو في أي مكان يجعلك تراها بشكل مستمر.
4_ اكتب إنجازاتك و نجاحاتك اليومية قبل النوم.
5_ اقرأ بكثرة الاقتباسات و الأقوال التي تبعث على التفاؤل. و سيكون شيئا مثاليا أن تقرأ كتبا تدعو للتفاؤل و الإيجابية.
6_ تجنب القراءة عن المآسي و الجرائم و الكوارث قدر المستطاع.
7_ قلل من الاستماع لنشرات الأخبار لأنها مليئة بالفظائع و الكوارث التي تؤثر على العقل و النفس. يكفي مشاهدة الأخبار مرة واحدة في اليوم و دون متابعة كل التفاصيل.
8_قم بتمرين الإيحاء الإيجابي و ذلك بالاسترخاء و تكرار عبارة ( أنا أفكر بشكل إيجابي) 14 مرة متتابعة و لمدة 21 يوما.
9_ فكر في النعم التي لديك و اشكر الله عليها.
10_ تواصل مع الإيجابيين و المتفائلين.
11_ اقرأ سير الناجحين الذين تمكنوا من اجتياز العقبات التي واجهتهم.
ليس شرطا أن تقوم بكل هذه الخطوات. إن لم تتمكن من القيام بها كلها فقم بما تستطيعه منها و سيفيدك بحول الله. لكن الأمر الأساسي هو الاستمرار لمدة كافية و متواصلة حتى تتكون العادة الذهنية التي تحتاج _ حسب الخبراء_ لمدة 21 يوما على الأقل. تصور أن خطوات صغيرة كهذه يمكنها أن تغير طريقة تفكيرك إلى الأبد ، و بالتالي تغير شعورك و نظرتك للحياة ، و يتغير نتيجة لذلك سلوكك و بالتالي نتائجك . أليس أمرا رائعا و يستحق المحاولة؟
تعليقات
إرسال تعليق