كيف تتغلب على القلق





     القلق شعور مزعج و مؤلم و منغص و مؤذي بدون شك. هو شعور يعرفه الجميع، يجربه الكل، و يصعب تفاديه. لكن خطورته تكمن في أنه إن تمكن من المرء و سيطر عليه، أصبحت حياته جحيما. لذلك يصبح  لزاما عليه العثور على علاج أو حل لمقاومته و إيقافه أو على الأقل التخفيف منه.
فلماذا نقلق؟ و ما هي آثار القلق علينا و على حياتنا؟ و أهم من هذا كله، كيف يمكننا التغلب على القلق أو تفاديه؟

أسباب القلق

    هناك أسباب متعددة وراء الشعور بالقلق، منها ما هو خارجي أو موضوعي، و منها ماهو داخلي أو ذاتي. لا شك أن ضغوطات الحياة العصرية تلعب دورا كبيرا جدا في إفراز الشعور بالقلق الشديد. فقد أصبحت الحياة تسير بوتيرة سريعة جدا، و كثرت الانشغالات  و الاهتمامات و الواجبات . و مع الانفتاح المرافق لانتشار الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي، ارتفع سقف الرغبات و الآمال و الأحلام و الانتظارات و التوقعات، و طغت المقارنات مع الغير خصوصا مع من نراهم على وسائل التواصل من الناجحين و المشاهير.أضف لكل هذا انتشار أخبار الكوارث و الاضطرابات الاجتماعية و السياسية، و كذلك انتشار الأمراض الخطيرة و الفتاكة. كل هذا أصبح يشكل ضغطا نفسيا كبيرا على الأفراد و خصوصا الشباب الذين يخاف معظمهم من الفشل في تحقيق آمالهم و آمال آبائهم، بل أصبحوا يخافون من المستقبل و من المجهول عموما. 
لكن، رغم أن هذه العوامل تشكل سببا قويا للقلق، إلا أن العوامل النفسية الذاتية أهم بكثير لأنها هي التي تحدد مدى تأثر كل فرد بتلك العوامل الخارجية، و أيضا لأنها هي التي بإمكاننا التحكم فيها و ترويضها. تكمن العوامل النفسية باختصار في طغبان التفكير السلبي، و ضعف الثقة في النفس، و عدم وضوح الأهداف و انعدام التخطيط، و الإفراط في التفكير في المشاكل و في المخاوف.
قد تجتمع كل هذه العوامل في شخص واحد، و قد يعاني من بعضها أو أحدها فقط. و في جميح الأحوال، النتيجة واحدة و هي القلق و بدرجات متفاوتة من حيث الحدة و الاستمرارية. و بطبيعة الحال، كلما تضاعفت العوامل زادت حدة القلق، و كلما زادت حدته كانت نتائجه أسوأ و أخطر. 

آثار القلق

    للقلق نتائج  سلبية كثيرة. أصعبها و أخطرها يكمن في الأمراض النفسية أو العضوية أو هما معا. و هذا ما يحصل حين يطول أمد القلق و تشتد حدته. و إن لم يصل الأمر إلى حد الأمراض، فإن القلق يؤدي إلى اضطرابات نفسية، وإلى ضعف في التركيز و بالتالي إلى ضعف الإنجاز و الإنتاجية. كما يؤدي القلق  إلى ارتكاب أخطاء في اتخاذ القرارات، و إلى التردد و تفويت الفرص المتاحة،  و بالتالي قد يؤدي بالنهاية إلى الفشل في تحقيق الأهداف سواء منها الصغيرة أو الكبيرة. و يؤدي القلق أيضا إلى الأرق أو قلة النوم، و هذا بدوره يؤدي إلى مشاكل صحية. و قد يؤدي القلق أيضا إلى مشاكل في العلاقات  بسبب التصرفات الخاطئة التاتجة عن الشعور بالقلق. كل هذه نتائج سلبية جدا بدون شك و لا أحد يرغب أن يكون ضحية لمثل هذه الأوضاع. لحسن الحظ، يمكننا تفادي هذه النتائج بالتغلب على شعورنا بالقلق. و هو أمر ممكن و في متناول الجميع إن عرفنا كيفية التعامل مع نفسيتنا و مع عقلنا الباطن. 


طرق التغلب على القلق

      عادات معظمنا في التعامل مع المشاكل و التحديات و الصعوبات عادات سلبية تعمل بنجاح على إشعال لهيب القلق و الخوف في قلوبنا. فعوض أن نقوم بما يخفف من وطأة التحديات و يعيننا على تخطيها، نقوم عكس ذلك بكل ما يمكنه أن يغرقنا في مستنقعات القلق و الهم و الكرب. لكن الإنسان الفطن هو من ينتبه لهذه الأخطاء و يتعلم طرقا صحية و مفيدة للتعامل مع تحديات الحياة و مشاكلها و صعوباتها. و قد بحث علماء النفس و علماء الجهاز العصبي في كل ما يتعلق بعقل الإنسان بمستوييه الواعي و الباطن، و تمكنوا من معرفة الوسائل الناجعة للتعامل معه  و استخدام قدراته و قوانينه لصالحنا. و الآن توجد عدة طرق للتخفيف من القلق أو القضاء عليه أو تجنبه. 

1) تقنية تحليل المشكلة: 

   عندما تشعر بالقلق، اجلس لوحدك في مكان هادئ و خذ ورقة و قلما. ثم اطرح على نفسك أربعة أسئلة و أجب عنها بدقة و وضوح.
السؤال الأول هو: ما هي المشكلة بالضبط؟ أو ما الذي يقلقني حقا؟ أو ما الذي أخافه؟ 
يجب أن تتمكن من تعريف المشكلة بكل دقة و وضوح. اكتب جوابك. ثم انتقل للسؤال الثاني و هو: ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث بخصوص هذه المشكلة؟ ففكر جيدا و تصور أسوأ و أصعب سيناريو يمكن أن يحدث. ثم أقنع نفسك بتقبل ذلك الأمر الأسوأ. تقبل أن ذلك قد يحدث و لن تكون نهاية العالم. ثم انتقل للسؤال الثالث و هو: كيف يمكنني أن أجعل الأمر أقل سوءا ؟ ثم فكر في خطة للاستعداد لذلك الأمر بأفضل طريقة ممكنة. أعد خطتك للتخفيف من حدة المشكلة المتوقعة. ثم انتقل للسؤال الرابع وهو: كيف يمكن أن أستمتع بوقتي و أنا أقوم بتنفيذ الخطة؟ فأضف لخطتك أشياء تحبها لتساعدك على القيام بما يجب و أنت مرتاح و مسرور. و هكذا قد تكتشف أن المشكلة التي تؤرقك تخبئ نعما و فوائد كثيرة ما كنت لتنتبه لها لولا هذا التفكير و هذه الخطة.


2) تمارين الاسترخاء: 

     هذه التقنية مفيدة جدا في مقاومة القلق في اللحظة و بسرعة. لكن بتكرار التمارين كل يوم يمكن أن تقضي على القلق نهائيا و على المدى الطويل. و الاسترخاء يتطلب خطوات معينة و شروطا محددة لا بد من توفرها لنجاحه. أولا يجب الجلوس أو الاستلقاء في مكان هادئ و منعزل و خالي من أي ملهيات و من أي أصوات مزعجة. بعد أن تجلس أو تستلقي في مكان مناسب و في وقت مناسب، قم بالتنفس العميق و البطيء، بحيث تستنشق الهواء و تدخل كمية كبيرة منه إلى أسفل الرئتين بحيث تشعر أن بطنك هو الذي يمتلئ بالهواء، ثم تخرج الهواء من فمك.  قم بذلك و أنت مركز تركيزا كاملا على تنفسك. لا تفكر في أي شيء سوى في الهواء الذي يدخل و يخرج. إن لم تستطع إيقاف عقلك عن التفكير في البداية فلا تستسلم_ يكون الأمر صعبا في البداية لدى جميع الناس_ بل استمر و حاول قدر المستطاع أن تركز على تنفسك جيدا. قم بهذا عدة مرات متتالية إلى أن تشعر براحة تامة و باسترخاء جسمك و بشعور يشبه الشعور بين اليقظة و النوم. حين تشعر بذلك، قل لنفسك عبارات مريحة من قبيل: أنا مرتاح، أنا بخير، كل شيء سيكون على ما يرام. أنا متفائل، الحمد لله. ربي رحيم، إلى غيرها من العبارات و التأكيدات المؤثرة إيجابا على العقل الباطن.
إن قمت بهذا التمرين بإتقان لمدة عشر دقائق مرتين في اليوم، كن متأكدا أن شعورك بالقلق سيخف كثيرا و مع مرور الأيام سيختفي نهائيا. لكن السر يكمن في المواظبة و الاستمرار في القيام بهذا التمرين خصوصا إذا كان القلق شديدا أو إن استمر لمدة طويلة.   

3) عش الحاضر:

     من أهم أسباب القلق كثرة التفكير في المستقبل و في المجهول. فالشخص القلق ينهمك في التفكير دائما في ما قد يحدث لدرجة أنه ينسى أن يعيش الحاضر و يركز عليه و يستفيد منه و يستمتع به. و التركيز على الحاضر و عيش اللحظة من أسهل و أجمل الوسائل لتجنب القلق. فالإنسان الذي يحمد الله كل صباح على اليوم الجديد و على كونه على قيد الحياة و بصحة و عافية و على كل نعم الله عليه، و يمضي في يومه مركزا على أفضل  ما يراه و يسمعه و يعيشه و يفعله، مستمتعا بحياته و بما حوله، هذا الإنسان لا يمكن أن يتسرب إلى قلبه القلق. و إن شعر ببعضه أحيانا فإنه سرعان ما يتعافى منه بفعل عاداته الصحية و نظرته الإيجابية للحياة و تركيزه على حاضره و استمتاعه به. 

4) التخطيط و وضوح الأهداف:  

     من الأمور التي تجعلنا نقلق بشأن المستقبل أننا لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون، و لا يمكننا أن نتوقع ما قد يحدث، و نشعر أننا ضعفاء في هذه الدنيا . لكن إن كانت لدينا أهداف واضحة في الحياة، و كانت لدينا خطة محددة للسير نحو تحقيق أهدافنا، و كنا نعمل و نتحرك وفق خطتنا، فإن القلق سيبتعد عنا. و ذلك  بكل بساطة لأننا نعرف وجهتنا و نعد  لمستقبلنا و لا نخاف منه. 
و عقل الإنسان إن انشغل بالتفكير في الأهداف و بالتخطيط المستمر و بمراقبة الإنجازات و تنفيذ الخطط، فإنه لا يجد متسعا للقلق بشأن المستقبل. بتعبير آخر، إما أن تشغل عقلك بالانهماك  في صناعة مستقبلك، إما أن يشغلك بالقلق و الخوف من ذلك المستتقبل. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحرر من قيودك النفسية

لماذانحب العطل و نكره العمل؟

هل ( الحجاب ) واجب ديني؟